فيروس الجاسوس المستجد

07 Jul 2020 : 22:06 تعليقات: 0 مشاهدات: 
Khalidbekkari.jpg
Yennayri
منشور من طرف Yennayri

بقلم خالد البكاري

في قضية دريفوس، صرخ إميلا زولا "إني أتهم"، وكانت صرخته بيانا للتاريخ ضد العنصرية والتمييز والاضطهاد.

في قضية "بيغاسوس" صرخت الحكومة "إني أتهم" كذلك، في بيان سيدرس للأجيال القادمة، باعتباره نموذجا لسوء إدارة الأزمات.

لقد كانت ردة فعل الدولة تشبه ردة فعل من لا يملك حيلة، سوى ترديد عبارة" كبرها تصغار"، أو "علي وعلى أعدائي".

وبما أنه لا يوجد أعداء في القصة كلها، فلنخترعهم.

وهكذا أصبحت "أمنستي" و" هيومان رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود" أعداء، يخدمون بمقابل، لتقويض النموذج المغربي في الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، التي يشهد بها للمغرب العالم.

ولا يهم إن كان أعداء المغرب القدامى من الجزائر حتى فنزويلا وجنوب إفريقيا، ، والمتحرشون الجدد به مثل الإماراتيين، والذين تطفو خلافات معهم بين الفينة والأخرى مثل إيران وتركيا ومصر وفرنسا وإسبانيا، لا يهم إن كان هؤلاء هدفا لتقارير هذه المنظمات، وأحيانا بأقسى مما يوجه للمغرب.

وبين عشية وضحاها تصبح لوموند والغارديان والواشنطن بوست وإلباييس منابر تمولها تلك الجهات المعادية، التي لا يعلمها إلا الله، ومن يكتب تلك العبارات في البلاغات، التي يقرأها بعد ذلك مسؤولونا في استعراض مثير للشفقة، والغضب في آن،، الغضب لإصرار البعض على "مصرنة" التعاطي مع المنظمات غير الحكومية والإعلام الدولي.

ولا يهم بعدها أن نصرف ملايين الدولارات لهذه المنابر التي نهاجمها اليوم لضرورات "اللوبينغ" الذي تقوم به كل الدول.

لا يهم أن ننس كل الشتائم التي روجناها داخليا عبر "سخافة" ممولة من المال العام، وفي انعطافة مفاجئة سنحتفي بمقال في "إلباييس" يشيد بجهود المغرب في مكافحة الهجرة غير النظامية مثلا، أو بتقرير لأمتستي نفسها يفضح حالة حقوق الإنسان في الجزائر أو في مخيمات تندوف،، فالمسؤولون يصدقون أن المغاربة يمتلكون ذاكرة السمك.

لا يعني هذا أن أمنستي أو غيرها منزهة عن الخطأ، فلطالما وجهت لها انتقادات، وشخصيا كتبت عن تقريرها حول الانتهاكات أثناء العدوان على "غزة"، واعتبرت أن تقريرها في سعيه لإقامة التوازن بين طرفي الصراع، ساوى بين الجلاد والضحية، ولكن هذا الانتقاد لا يمكنه أن يشكك في تقارير المنظمة ومصداقيتها التي بنتها على تراكم حقوقي، كانت فيه المرجع الأبرز في فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من طرف دكتاتوريات كانت مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت فيها الصوت الأكثر بروزا في "الغرب" في الكشف عن جرائم "أبو غريب" و"غوانتانامو" و"جنين".

واهم من يعتقد أن الدولة المغربية وهي تحتفظ في سجونها بمعتقلي رأي ومعتقلين سياسيين وصحافيين ومدونين، وغطت منابر إعلامية دولية محاكمات افتقدت لاستقلالية القضاء ( محاكمات الريف نموذجا)، يمكن أن تنتصر أخلاقيا على أمنستي في معركة المصداقية الحقوقية.

وليس بتحويل الأنظار من "بيغاسوس" نحو "الجاسوس" يكون احترام ذكاء المواطن.

سيكون الأمر مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت أكثر.

وسنصير أضحوكة أمام العالم ونحن نقدم قربانا، هو جاسوس "ما شافش حاجة"، جاسوس لم يكشف سرا من أسرار الدولة، ولا سرب معطيات مشمولة بالسرية، بل فقط أنجز دراسات لصالح مراكر أبحاث واستشارات بناء على أرقام ومعطيات منشورة للعموم على مواقع مؤسسات رسمية.

لم ترد الدولة المغربية على تقرير المقرر الأممي المعنى بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وتصريحات المقرر الأممي المعني بحرية الرأي والتعبير، وخلاصات الدورة 41 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، والتي أثارت كلها شكوكا حول استخدام المغرب لبرنامج بيغاسوس في مراقبة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما لم ترد لجنة حماية المعطيات الشخصية وهي مؤسسة رسمية على شكاية توصلت بها من طرف ثمانية مواطنين محسوبين على الأصوات المنتقدة، بعد توصلهم بإشعارات من واتساب تفيد اختراق حساباتهم عبر برنامج "بيغاسوس" ، كما سكتت عن خلاصات لمختبرات وفرق بحث تابعة لجامعات معروفة تقول باحتمال قوي لاقتناء المغرب برامج تجسس سواء من طرف NSO الإسرائيلية، وقبلها hacking Team الإيطالية من أجل مراقبة المعارضين،، كل هذه السوابق في صمت الدولة المغربية تجعل مزاعم أمنستي اليوم أكثر مصداقية، خصوصا أمام رفض المغرب الالتجاء لطلب خبرة محايدة.

لست مسرورا للوضع الحرج الذي ركنت فيه السلطات المغربية نفسها، وما زلت آمل بنهاية هذه الأزمة بما يسمح بتصحيح الاختلالات ،ليس فقط في هذا الملف، بل في كل الملفات الحقوقية العالقة.

لا أتمنى أن "تتبهدل" حكومتنا أمام الرأي العام الدولي، لأن من مصلحة كل الحقوقيين والمدافعين عن الديموقراطية أن تكون علاقة الدولة طبيعية بالمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية.

حين ننتقد، فليس بنية أن ينتصر طرف على آخر، تلك مهمة السياسيين وأصحاب المصالح، بل من أجل أن يكون هناك مناخ صحي لاحترام الحقوق والحريات، ومن مصلحتنا أن ينتصر بلدنا، لكن ب"المعقول" وليس ب"صبيانيات" التشهير بالمعارضين وتخوينهم واعتقالهم، وتسييد منطق " من ليس معنا، فهو ضدنا".

في الأسبوع الماضي كنت قد أشرت للإطفائيين الذين تم ركنهم جانبا لصالح "الأمننة" ، أعتقد أن الدولة كانت تتوفر على فريق ممن خبروا كواليس عمل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، وكانت لهم علاقات مع كبرى المنظمات غير الحكومية الوازنة دوليا، ولكن حين تخلت عنهم في لحظة انتشاء أمني، توالت "الضربات" و الخسائر.

لنتذكر أن الفريق الجديد لم يستطع أن يمنع وصول ناصر الزفزافي للمحطة الأخيرة في التنافس على جائزة ساخاروف التي يمنحها البرلمان الأوروبي، مما يبين هشاشة المكلفين الحاليين باللوبينغ الحقوقي خارجيا.

Tags: None

العلامات

Yennayri



قام بإرسال الخبرYennayri.com
http://www.yennayri.com/news.php?extend.5021