تفاصيل صادمة عن المصنع الذي اودى بحياة العشرا ...
استاذ جامعي يفضح : الشواهد الجامعية تباع وتشت ...
اختلالات في محاربة كورونا (كوفيد19) بالأكاديم ...
أروى القيروانية.. المرأة التي ألزمت أبا جعفر المنصور بأول عقد يمنع تعدد الزوجات في الإسلام
بقلم اسماء رمضان
في 26 ديسمبر/كانون الأول من عام 2019، أهدى المؤرخ التونسي الدكتور إبراهيم شبوح المكتبة الوطنية في تونس وثيقة نادرة تعود إلى القرن التاسع عشر، وهي عبارة عن عقد زواج قيرواني مكتوب على جلد الحيوانات، مؤرخ بأوائل شهر أبريل/نيسان من عام 1832، وطرفا الزواج هما التاجر محمد بن قاسم العلاني وفتاة تُدعى حليمة عطاء الله، وأهم ما جاء في هذه الوثيقة هي أنها تمنع تعدد الزوجات، وهو ما كان يسميه المؤرخون بالصداق القيرواني، الذي وضعت شروطه للمرة الأولى فتاة تُدعى أروى القيروانية، فما هي قصتها؟
أروى القيروانية.. كيف بدأت الحكاية
في بداية حراكه السياسي ضد الأمويين هرب أبوجعفر المنصور إلى مدينة القيروان، وذلك بعد أن لاحقه جنود بني أمية؛ إذ نزل سراً عند رجل يُدعى منصور بن يزيد الحميري، كان قد أتى من اليمن منذ سنوات طويلة ليستقر في القيروان، يقول المؤرخ التونسي حسن حسني عبدالوهاب في كتابه شهيرات التونسيات “ولمّا كبر أبوجعفر المنصور وترعرع، اقتفى خطى أخويه الكبيرين إبراهيم، المعروف بالإمام، وأبي العبّاس الذي اشتهر فيما بعد بالسّفاح، فجرى مجراهما في دعوى استحقاق الخلافة. فأذكت الدّولة الأموية العيون عليه، وأوعزت إلى العمال والأعوان أن يتبعوه وأن يتعرفوا ما يكون منه وأن يقبضوا عليه إذا لزم الأمر، فكان هو وأهل بيته يختفون ما استطاعوا. وفي أوائل العقد الثالث من القرن الثاني للهجرة، قصد أبوجعفر المنصور إفريقية لما بينه وبينها من رحم وأشجّة التماس النجاة من طلب بني أميّة له وحلّ ضيفاً عزيزاً على منصور بن يزيد الحميري أحد كبار التجار بمدينة القيروان”.
وكان للحميري ابنة فائقة الذكاء والجمال تُدعى أروى، وهي الفتاة التي انبهر أبوجعفر بجمالها وطلب يدها من أبيها ليتزوجها، وافقت أروى على طلب الزواج، ولكنها وضعت شرطاً كان له أثر بعيد للغاية؛ شرطها كان ألا يتزوج عليها أبوجعفر المنصور أبداً، وألا يتخذ الجواري معها، وإلا فيمكنها في هذه الحالة أن يكون طلاقها بيدها على عادة أهل القيروان، وافق أبوجعفر على الشرط، ولكنه لم يكن يعلم أن حال الدنيا سينقلب رأساً على عقب، وسيصبح بعد عشر سنوات من الزواج خليفة في بلاط مليء بالجواري.
من هي أروى القيروانية
ولدت أروى الحميري في اليمن قبل أن تنتقل مع والدها إلى القيروان خلال عام 709، كان والدها من أغنياء التجار، وحرص على تدليلها في الصغر، وحين كبرت اهتمت أورى كثيراً بالقراءة وتحصيل العلم، وساعدها على ذلك وجود الكثير من المكتبات في القيروان، فبالعودة إلى السياق التاريخي والاجتماعي لذلك الوقت نجد أن مدينة القيروان شهدت ازدهاراً معرفياً كبيراً في الحقبة الممتدة بين القرنين الثاني والرابع للهجرة، حينذاك كانت مكتبات القيروان ومساجدها وبيوتها عامرة بكتب الفقهاء والمترجمين والفلاسفة والرياضيين.
أبوجعفر المنصور خليفة للمسلمين
عاد أبوجعفر المنصور متخفياً إلى مدينة الكوفة برفقة زوجته أروى، حتى ظفرت الدولة العباسية بمناصرة أبي مسلم الخرساني، حينها سقطت الدولة الأموية وآلت الخلافة عام 749 ميلادية إلى عبدالله السفاح، الأخ الأكبر لأبي جعفر، فلما مات أسندت إليه الخلافة عام 753، وفور توليه الخلافة بنى المنصور مدينة بغداد، التي كان يُطلق عليها في البداية اسم مدينة المنصور، كما بنى لنفسه أيضاً قصراً كبيراً سمّاه “قصر الخلد”، وأسكن فيه زوجته أروى.
بعد أن رسّخ أبوجعفر المنصور أركان دولته حاول بكل الطرق التملص من شرط زواجه من أروى لاتخاذ الجواري، ولكنه فشل في كل مرة، وهو الأمر الذي أغضبه بشدة. دعونا نرجع بالتاريخ لنر سبب غضب المنصور من أروى؛ في نهاية العصر الأموى وبداية عصر الدولة العباسية توالت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعتها، وهو الأمر الذي ترتب عليه كثرة الاسترقاق من الأمم المفتوحة.
وفي العصر العباسي لم يقتصر دور الجواري على المتعة والهبة، إذ لعبن دوراً كبيراً في حياة الخلفاء وفي الحياة الاجتماعية للمجتمع العباسي، وكان لوجود الجواري في بيوت الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة آثار لا تُنسى؛ فمنهن من أصبحن زوجات الخلفاء وأمهات لأولادهم، فمن أصل 37 خليفة عباسي لا نجد سوى ثلاثة خلفاء عباسيين فقط من أمهات عربيات، وهم “أبوعباس السفاح” و”المهدي بن منصور” ابن أروى القيروانية و”محمد الأمين ابن هارون الرشيد”، وفي ذلك الوقت كان أكثر الجواري يمتلكن صنعة مثل الشعر والأدب والغناء والعزف والرقص.
محاولات أبي جعفر المنصور التخلص من شرط الصداق القيرواني
في كتابه “المحاسن والأضداد” يقول أبوعثمان الجاحظ إن المنصور ظل عشر سنوات في سلطانه يكتب إلى الفقيه تلو الفقيه في الحجاز والشام، وبذل كل جهده حتى يُفتيه أحدهم بالزواج من أخرى أو حتى اتخاذ الجواري، ولكن أروى كانت له بالمرصاد؛ إذ كانت دائماً ما تسبق زوجها بخطوة وترسل المال إلى العلماء والشيوخ لمنع المنصور من الزواج بأخرى والحفاظ على عهده الأول معها، وظل المنصور يبعث للمشايخ من أجل طلب الفتوى، حتى ماتت أروى، فعلم بوفاتها وهو في مدينة حلوان، قرب إيران الحالية، وبعد وفاتها اتخذ المنصور لنفسه مئة جارية بكر.
ضيعة الرحبة
رغم أن الفقه الإسلامي لم يفرق بين الرجل والمرأة في مسألة الوقف باعتباره باباً من أبواب الخير، فإن التاريخ يخبرنا أن أوقاف النساء في العصر الأموي والعباسي كانت قليلة للغاية، نذكر منها وقف فاطمة الفهرية، التي بنت جامع القرويين، وأختها مريم الفهرية، التي بنت جامع الأندلس في مدينة فاس، ووقف بهاء بنت بهاء الثاني، التي بنت المسجد الجامع في قرطبة.
ويخبرنا التاريخ أيضاً عن وقف مختلف في نوعيته قليلاً، ففي الوقت الذي جرى فيه العرف المجتمعي بالدولة العباسية على أن الأولاد فقط هم من يحظون بالأموال والثروة، فقد أسست أروى القيروانية وقفاً مختلفاً، فبعد أن أهدها المنصور ضيعة الرحبة قررت أن تهبها قبل موتها للمولودات الإناث فقط دون الذكور، فهي وقف عليهن.
مجتمعات عربية أخرى اعتمدت الصداق القيرواني
“لا امرأة سابقة ولا لاحقة، وإلا فأمرها بيدها”.. حتى هذه الأيام تتبع الكثير من العائلات الموريتانية “صداق بلاد شنقيط”، وهو الذي يمنع الزوج من اتخاذ زوجة ثانية، إذ ينص الصداق الشنقيطي على ” طاعة الزّوج المذكور لزوجه المذكورة تضمناً لمسّرتها واستجلاباً لمودّتها ولا يتسرّى ولا يتخذ أمّ ولد… فإن فعل ذلك أو شيئاً منه بغير إذنها ودون رضاها فهي طالق وأَشهد على نفسه بذلك”.
وفي كتابه “حقوق المرأة في البرديات العربية على ضوء الكتاب والسنة” يذكر المؤرخ جاسر بن خليل أبوصفية أن موريتانيا تأثرت بفكرة الصداق القيرواني، وليست هي فحسب، فحتى الصداق الأندلسي ضم قواعد مشابهة، فالمرأة يحق لها أن تطلق نفسها إذا تزوج بأخرى أو أساء معاملتها أو منعها من زيارة أهلها أو غاب عنها لفترة طويلة إلا في أداء فريضة الحج.