بقلم ناصر موحى
في البدأ...
قبل أربع سنوات من اليوم ، نشرت بعض الصحف المغربية خبرا عن محنة سيدة مطلقة مع الضرائب . فقد إعتقلتها سلطات مدينة قروية مغربية في سوق أسبوعي ذات صباح . السيدة المسكينة حملت سلعتها والتي هي عبارة عن دجاجة وتوجهت للسوق لتبيعها تاركة نصف دزينة من الاطفال بمنزلهم المهترئ ينتظرون عودتها بمشتريات بعد البيع الضرورية لمقاومة الجوع ولو نسبيا. توقفت في زاوية من السوق عارضة دجاجتها في انتظار زبون قد ياتي وقد لايأتي. فجأة حاصرتها عناصر القوات المساعدة برئاسة قائد المنطقة ومحصل الضرائب . هاجمها القائد بسؤال لم تكن ابدا تنتظره :
_هل اديت ضريبة الصنك عن سلعتك المعروضة الشريفة ؟
بكل تلقائية ردت : بالطبع لا ولا ارى سببا لدفع ضريبة عن دجاجة احملها بين يدي .
_بل ستدفعين نصيبك مثل كل الناس والا صادرنا سلعتك على التو ، القانون فوق الجميع ولاأحد خارجه .
_ياسعادة القائد حتى وإن أردت أن أدفع الصنك فليس لدي سنتيما واحدا إنتظروا حتى ابيعها وأدفع مابذمتي .
_"جمعوها هي والسلعة ديالها وارموها في الستافيت لاوقت لدينا لنسمع تفاهاتها ، حين تكوني عند القاضي واشرحي لها وضعك ".
أمضت السيدة المهوكة بضيق ذات اليد يومين في السجن قبل أن يطلق سراحها .وخلالهما ظل اطفالها ينتظرون ، فلاأمهم عادت ولا مؤونة الاسبوع وصلت لبيتهم...

أمس الاحد 8 فبراير 2015 نشرت كبريات الصحف العالمية تفاصيل فضيحة مالية دولية بعد خمس سنوات من التحري والمعالجة والبحث . القضية تتعلق بتسريب لائحة تضم 130 الف من الحسابات البنكية لأشخاص من مختلف الجنسيات وضعوا أموالا بشكل سري في الفرع السويسري للبنك الانجليزي hsbc للتهرب من المحاسبة ومن أداء الضرائب من حكومات بلدانهم .
هرب اوماتهرب...
المغاربة حاضرون في هذا البنك بقوة كزبائن حيث إحتلوا الرتبة السابعة والثلاثين من أصل 203 دولة المدرجة في التسريب والرتبة الخامسة عربيا وراء كل من السعودية ولبنان ومصر والامارات العربية المتحدة حيث فتح 1068 مغربي ومغربية مايزيد على 2200 حسابا بمجموع ودائع بلغت مليار و600 مليون دولار امريكي . المثير في التسريب الذي هم المغرب والذي يهمنا في هذا المقال هو ورود إسم ملك المغرب محمد السادس مع أخيه الامير وأخواته الاميرات ضمن لائحة زبائن بنك متهم دوليا بمساعدة زبائنه على التهرب من دفع الضرائب بالتستر على مصدر المبالغ المودعة وطبيعتها وحجمها وهي التهمة التي أدى بسببها أكثر من مليار دولار للحكومة الامريكية كتعويضات لها في قضية تورط فيها على علاقة بالتهرب الضريبي سنة 2012 .
والاكثر إثارة للريبة هو أن "ملك الفقراء "محمد السادس فتح حسابه في أكتوبر 2006 باشتراك مع سكرتيره الخاص منير الماجدي باسم مستعار هو (BUP, pour « business partner »)تحت رقم 5090190103 ، أشهر قليلة بعد ذلك سيضع فيه مبلغا ماليا قارب 8 ملايين يورو .
صحفيو جريدة "لوموند" الفرنسية حاولوا استفسار سكرتير الملك وكذا الامراء حول الحسابات المعنية وكذا إدارة مكتب الصرف التي تهتم بمنح تراخيص رسمية استثنائية للمغاربة المقيمين بالمغرب لفتح حسابات بنكية بالخارج . كلهم التزموا الصمت ورفضوا الاجابة على تساؤلات الصحفيين . وحدهما محاميا الملك بفرنسا إكتفيا بالتصريح قائلين أن حساب الملك وصديقه السكرتير فتح في احترام تام للقوانين المغربية الجاري بها العمل في هذا المجال .
مجرد أسئلة...
أمام غزارة معلومات الصحفيين وشح توضيحات المسؤولين المغاربة يصبح طرح كل أنواع الاسئلة مباحا بل وملحاحا للمساهمة في وضع النقط على الحروف لوضع النقود في سكتها القانونية وتسمية الافعال بمسمياتها.
ماهي المبررات المنطقية التي ستدفع ملكا من حجم محمد السادس لفتح حساب بنكي مشترك مع منير الماجدي خارج بلاده باسم سري وفي فرع بنك ذو تاريخ اسود في تعاملاته مع زبائن وتشير اليه اصابع الاتهام في التستر على المهربين الماليين والهاربين من قوانين بلدانهم ؟ اليس في كل اوربا غير هذا البنك ليستقبل "اموال"جلالة الملك وعائلته المصونة ؟
أن يشرك الملك في فتح الحساب المعني سكرتيره الخاص لايعني سوى أن الحساب لم يفتح للقيام بتعاملات تهم مسؤولياته كرئيس دولة لأن شريكه ليس موظفا لدى الدولة بل موظف لديه كرجل اعمال ونفس الشئ ينطبق على الامراء .
وفتح الحسابات بالخارج كرجال اعمال للقيام بمعاملات مشروعة قانونيا أمر مقبول طالما اشر عليه مكتب الصرف بشكل شفاف لايحتاج الى السرية وإلى رفض كل الجهات الرسمية المختصة لتقديم توضيحات في هذا الموضوع .
وحتى لو افترضنا أن خطوة الملك وأمراءه بفتح حسابات سرية بالخارج تمت في احترام تام للقوانين المغربية فستظل اسئلة أخرى مطروحة بحرقة عن مدى وطنية الفاعلين وحرصهم على بناء اقتصاد وطني قوي . إخراج الاموال من المغرب حتى لانقول تهريبها وبالعملة الصعبة من منظور كل الاقتصاديين على اختلاف مدارسهم من أخطر الضربات التي يمكن أن توجه لاقتصادنا وتنم عن غياب تام لحس الوطنية .
فكيف سيقتنع المستثمرون الاجانب أن المغرب بلد مستقر سياسيا ومكان مضمون للإستثمار وأعلى سلطة في البلد وأغنى أغنياءه يخرج أمواله منه ليودعها في أبناك تحوم حولها كل الشكوك ويستثمرها في كازينوهات القمار في جنوب شرق آسيا(فضيحة استثماره بشركة ماكاو ليجيند التي تدير فندقا وناديا للقماربجزيرة ماكاو قبل بيع اسهمه فيها بعد انتشار القضية دوليا سنة 2008..)
أما إن تمت بطرق ملتوية هروبا من المحاسبة عن مصادرها وبالتالي التهرب من أداء مستحقاتها الضريبية فهذا يدخل في إطار الاجرام المالي الذي يعاقب عليه القانون الجنائي المغربي .
الطابور يصرخ ...
بعض المغاربة مستعدون للدفاع عن إبليس ولو بالتخاريف لدرجة تثير الضحك ، ولذلك تراهم يقولون مثلا إن 8 ملايين يورو التي سجلت كأعلى مبلغ وضع في حساب الملك وصديقه لاتعني شيئا امام ثروته التي تعد بملايير الدولارات .
الرد بسيط ولايحتاج لحجج معقدة . أولا 8 ملايين يورو سجلت في الاشهر الاولى لفتح الحساب سنة 2006 . بمعنى 8ملاييرسنتيم بالمغربية هي غير باش دار الافتتاح . وحده البنك وصاحبا الحساب هم من يعلمون كم وصل المبلغ اليوم بعد ثمان سنوات على فتحه ان بقي مفتوحا. وثانيا هذا الحساب في البنك السويسري هو الثاني الذي سمع عنه الرعايا بعد الحساب المفتوح بالبنك ب ن ب الباريسي الذي ادى منه الملك شيكا بمبلغ ضخم لجمعية في بلجيكا قبل سنتين . فماذا يمنع ان تكون لديه ولعائلته المالكة عشرات الحسابات الاخرى في بلدان أخرى مادامت قوانين البلد لاتسري عليهم ومصادر جني الاموال لاتعد ولاتحصى خاصة أنهم من نوع المسؤولين الذين ليسوا سذجا ليضعوا كل بيضهم في سلة واحدة .
كما أن بعض النبهاء من الطابور الخامس المخزني تفتقت عبقريتهم فوجدوا أن كل مجهود عشرات الصحفيين الذين اشتغلوا على الملف الفضيحة طوال السنوات الخمس الاخيرة إنما تم بخلفية مؤامراتية ضد المغرب المزدهر لإضعافه وضرب مصداقية ونزاهة قيادته الحكيمة وعلى رأسها أكثر زعماء العالم تأثيرا محمد السادس .نسي هؤلاء او تناسوا أن التسريب استهدف اكثر من 100 الف حساب لمواطني 203 دولة منهم ملوك ورؤساء وفنانين ورياضيين ورجال اعمال وغيرهم .
السياق...
لقد تزامن التسريب الزلزال مع إنتهاء المهلة التي منحتها الحكومة المغربية لكل المغاربة الذين اودعوا أموالا بالابناك خارج المغرب من أجل إدخالها للبلد مقابل إعفاءهم من المتابعات القضائية ومايترتب عن جرائم التهريب المالي والتهرب الضريبي من عقوبات . فماذا هي فاعلة مع هؤلاء الذين عرتهم سوسليكس الذين لم يتجاوبوا مع القرار الحكومي ؟ أم أن وجود إسم الملك وأمراءه في التسريب هبة الاهية وحصانة للمهربين لأن لااحد في المغرب يستطيع ان يفتح ملف فضيحة من هذا النوع يوجد اسم رئيس الدولة ضمن المتهمين فيها.
التبعات ...
مع أن فضيحة سويسليكس ساعدت على كشف بعض من المستور في علاقة الحاكم بالقوانين التي تسير بلده لكنها ستدفع سلبا في اتجاه إغلاق ملف المتابعات القضائية في حق مهربي الاموال لخارج المغرب الاخرين مادامت الاسرة المالكة الان أصبحت احد الذين توجه لهم اصابع الاتهام ولو في السر .
إن التسريبات وضعت ربما لاول مرة في تاريخ المغرب الاسرة الملكية في صورة عائلة مافيوزية تحمي وتسهر على تطبيق قوانين البلد دستوريا وظاهريا لكنها لاتتردد في استعمال كل أساليب العصابات المنظمة لجمع الثروة وتأبيد سيطرتها على الافراد والمؤسسات والمجتمع . فهل لها الجرأة على نفي هاته الصورة وبالتالي تقديم كل التوضيحات للمغاربة وللعالم حول ثرواتها كاملة حيث وضعت وكيف روكمت وفي اية ظروف ؟
في الختم ...
بعد بضع سنوات سيصبح أبناء السيدة التي اعتقلت بسبب دجاجة رجال ونساء المغرب الذين سيعول عليهم البلد ليجابه تحديات القرن 21 .
كيف سينظرون إلى هيبة مؤسستهم الملكية والى الطبقة السياسية والاقتصادية التي تحميه وتآزره في السراء والضراء وهم يتصرفون بقوانين المافيات عوضا عن قوانين دولة الحقوق والحريات والمحاسبة ؟
البلدان المحترمة شرعت في اجراءات متابعة الواردة اسماؤهم في التسريبات من مواطنيها مهما كانت مناصبهم . فما ذا هي فاعلة حكومتنا "المنتخبة" والتي اقسمت على المصحف أنها ستسهر على خدمة البلاد وتطبيق قوانينه بكل تفاني أم أن خدمة الملك ونزواته لها اولوية الاولويات ....
إن حادثة التسريبات لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة في تاريخ ممارسات هذا التحالف الطبقي والذي حول المغرب بأرضه وشعبه لمزرعة كبيرة للنهب والاستعباد وهدر الكرامة .
لم يحدث في التاريخ أن سيدا استفاق ذات يوم في إقطاعيته وانتابه فجأة إحساس بالانسانية ورغبة عارمة في العدل تجاه عبيده فقرر تحريرهم وتوزيع الارض عليهم قبل ان يخطب فيهم " إذهبوا فأنتم الطلقاء الاحرار "...العبيد دوما هم من يغيرون واقع عبوديتهم متى فهموا أنهم عبيد .

دعوة للتسلية ...
وأنت تقرأ تسريبات الصحف العالمية المتعلقة ببلدك الموغريب ...قم بتشغيل فيديو آخر خطاب للملك حيث فجر سؤاله المدوي في الهواء مباشرة " أين الثروة ياشعبي العزيز " ثم عرج على الخطاب الذي حسم فيه في الحدود الفاصلة بين المواطنة والخيانة واسترجع حكاية بائعة الدجاجة وبائعي الاوطان وأنذاك فقط ستفهم ماذا يعنيه الحاكم بثنائية المواطن والخائن ....