قبل سنة تقريبا، طلبت ملكة ابريطانيا من رئيس الحكومة تمتيعها بيخت (مركب) جديد بمناسبة عيد ميلادها، لأن يختها تقادم وأصبح في وضعية مزرية، لكن جواب رئيس الحكومة دافيد كامرون كان صادما: معذرة سيدتي الوضعية لا تسمح، ابريطانيا تعيش حالة تقشّف.
قبل يومين تقريبا نشرت الجرائد العالمية الخبر التالي: دافيد كاميرون ينشر صورة على صفحته في الفسبوك وفي خلفيتها توجد آلة قهوى يبدو أنها مرتفعة الثمن. الشعب البريطاني لم يشرع في كيل المديح لرئيس الحكومة ووصفه بالمتواضع أو الشعبي بل سألوه: هل آلة القهوى من مالِك أم من مالِنا؟
جاء جوابه بسرعة: بل من مالي الخاص. وأرفق جوابه بتوصيل الشراء وعنوان المحل الذي ابتاعها منه.
التعليق: لم يكن البريطانيون بهذا الوعي - حكومة وشعبا - منذ ولادة ابريطانيا، بل إنهم، وإلى حدود 300 سنة كانوا يشبهون العبيد، يقدسون ملكهم، ويمنحونه ميزانية ضخمة، ويخرجون للاستقباله كلما حل بقرية من قراهم، ولا يسمحون لأي شخص ينتقده، ويغلظون العقوبات الماسة بشخص الملك، بل غالبا ما اعدموا من يتجرأ على مسّ الأعتاب الشريفة، كان ملك ابريطانيا يسود ويحكم، يضخّم تجارته، ويستبد بشعبه، ويتجوّل كما يحلوا له دون رقيب أو حسيب، يقرّب إليه المتملقين واللصوص والمرتشين، ويُبعد النزهاء....ورغم أن قلة من الشعب كانت تحاول تَجاوز الوضع إلا أن الكثرة منهم كانت ترى في ذلك إضرارا بالاستقرار، ومحاولة جر البلد إلى المجهول، حيث كانت الكثرة تنتفض في وجه القلة الراغبة في التحرر، وتصفها بأنعث الأوصاف: أعداء الوطن، المتآمرون، الحالمون بالسلطة، المرتبطون بالخارج، أعداء الخصوصية....لكن القلة ضحّت وصبرت واستمرت في نضالاتها رغم كل العراقيل، إلا أن أصبحت أكثرية ونفذت وعودها، وأخرجت المملكة من وضعية الاستعباد إلى وضعية التحرر، وألجمت الملك، وحدّت من حكمه المطلق، ورسمت له حدودا لا يتجاوزها، وجلعته على "رأسها وعينها" لكن شريطة أن يسود ولا يحكم، في إطار ما اصطلح عليه، بالملكية البرلمانية....
أما النتيجة فهي واضحة: ملكة تسود، واببها يشتغل في الجيش. ورئيس حكومة يحكم، لكنه يُساءل يوميا من قِبل المجتمع المدني، ويخصع للمراقبة من قبل البرلمان، ويمكن ان يستمر في الحكم أو ينحّى عندما يحين موعد تقديم الحساب كل 4 سنوات. وهذا هو "الاستقرار" الحقيقي، عكس " استقرار الضفادع" المتوهّم".
من صفحة عبد الرحيم العلام الفايسبوكية