إن مت - وأنا أشعر أن أجلي قريب - أخبروا أمي أني أحببتها كثيرا، أكثر من الحب نفسه. عشقتها بلهفة، تهت في غرامها ذاك التوهان الجميل. قولوا لها، أن إبنك كان متيم بك، وإن لم يعبر لك يوما عن ذلك. كنت جبان أمامها، فحين أسكر، آخذ على نفسي عهدا أني سأعترف لها بحبي. لكن ما إن تفتح لي الباب وألمح عينيها، أرتكن لركن غرفتي وأبكي. أبكي أمي.. أبكي جبني وخيباتها الكثيرة إتجاهي.
أخبروها أني سرقت لها سلة البيض ذات سبت. بعت البيض وسكرت به. وفي الصباح بحثت عنه، فكنت لصا حقيرا، أنكرت أني أنا السارق. علمت هي - بفضل إحساس الأم الذي لا يكذب - أني أنا الفاعل، لكنها سامحتني ومارفعت علي دعوة عند الله. بل طلبت منه أن يغفر لي خطيئتي، في صلاة عشاء نفس اليوم. أرجوكم، إكتتبوا لها ثمن سلة البيض، وقولوا لها أن إبنها كان عابدا متزهدا. أحببت أمي حبا صوفيا، أخبروها بهذا فقط.
أطلبوا من والدي أن يسامحني، وأن يكفف دمعه حزنا علي. لقد أبكيته كثيرا وأنا حي، أمرضته بالسكري، جعلته يزور السجن كل جمعة، يحضنني، وأحس نبض قلبه حارا، خافقا، دافئا، مليئا بالحسرة والحب. فالقلوب، لا يؤلمها إلا تضارب هذين الشعورين، في نفس الوقت، وعلى نفس الشخص.
أطلبوا منه أن يغفر لي فشلي، في أن أحمل عليه نصف ثقل الحياة. أن أعينه على وطأة ألم الزمن. لم أكن ولدا صالحا، أتعبته كثيرا وتحملني أكثر .قولوا له أني أحبه، وأن يزور قبري كل سبت ويبتسم، إني تحت التراب الآن. صحيح أنك ستتألم للحظة، لكن همي الثقيل إنزاح عنك. قولوا له... إني أحببته لدرجة أني كنت أرفض أن أقاسمه وجبة الغذاء، لا لعدم رغبة، بل لأني خفت أن أسبقه لقطعة خبز كان يهم بإلتقاطها.
أخبروا جدتي أنها كانت شمعة لي. وأني لم أنس إغمائها يوم أخبروها أنهم ألقوا القبض علي. قولوا لها، أنها لها من العشق في قلبي ما لأمي. الصبابة نفسها أقسمها عليهما معا.
أخبروا النساء.. أني عشقتهن لحد أني كنت أعاقب نفسي بالإسثمناء. إسألوا "إجميعة " كيف عانقتها وبكيت معها يوم لم تجد ثمن خروف العيد، وسعيت بكل جهدي أن أساعدها. إسألوا النادلة، كنت أعاكسها، فتبتسم وألقي عليها تحية الصباح، وأناجيها، فتشتكي لي من تحرشات مراهقي الفيلاج، فأعانقها، وأهمس لها في أذنها : أنت أقوى من تحرش صبي مراهق لازال يعطي مؤخرته للآخرين.
عليكم أن تعلموا أني كنت أفعل ما آمنت به، ولو خيرت مجددا في الحياة التي أريد أن أعيش، لإخترت نفس هذه الحياة، نفس الإديولوجية، نفس الشراب الذي أشربه كل ليلة. نفس المقهى، ونفس الهم، نفس الأم، ونفس الأب. نفس الجدة، ونفس الأخوات. نفس الأصدقاء، نفس الدوار، ونفس الصباح... سأختار نفس المسار ونفس الحياة... إلا شيئ واحد...
أني سأخبر أمي كل صباح أني أحبها.
أحبكم / أحبكن جميعا.
من صفحة حسن الحافة الفايسبوكية